فصل: 201- عِرض:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة



.حرف الظاء:

.200- ظلم:

1- التعريف:
الظُّلْمُ في اللغة: بالضم: وضْعُ الشيءِ في غير مَوْضِعِه، والمَصدَرُ الحقيقِيُّ: الظَّلْمُ، بالفتح، ظَلَمَ يَظْلِمُ ظَلْماً، بالفتح، فهو ظالِمٌ وظَلومٌ، وظَلَمَهُ حَقَّهُ، وتَظَلَّمَهُ إيَّاهُ. وتَظَلَّمَ: أحالَ الظُّلْمَ على نفسِه، وتَظَلَّمَ منه: شَكا من ظُلْمِه.
وفي الاصطلاح: هو التعدي عن الحق إلى الباطل، وهو الجور؛ وقيل: هو التصرف في ملك الغير ومجاوزة الحد.
قال ابن الجوزي: (والعرب تقول: هو أظلم من حية، لأنها تأتي الحفر الذي لم تحفره فتسكنه، ويقال: قد ظلم الماء الوادي: إذا وصل منه إلي مكان لم يكن يصل إليه فيما مضى).
2- تحريم الظلم:
الظلم محرم بالكتاب والسنة والإجماع. فمن الكتاب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء 168، 169]. وقوله تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [هود 113]. ومن السنة: حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالى أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا...» رواه مسلم. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، وإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» رواه البخاري. وأجمع الفقهاء على تحريم الظلم. وذكر ابن حجر أن ابن الجوزي قال: الظلم يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير بغير حق، ومبارزة الرب بالمخالفة، والمعصية فيه أشد من غيرها، لأنه لا يقع غالبا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب; لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم، حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا.
4- أنواع الظلم:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد جاء عن غير واحد من السلف؛ وروي مرفوعا: الظلم ثلاثة دواوين: فديوان لا يغفر الله منه شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وديوان لا يعبأ الله به شيئا. فأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئا: فهو الشرك؛ فإن الله لا يغفر أن يشرك به. وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا: فهو ظلم العباد بعضهم بعضا; فإن الله لابد أن ينصف المظلوم من الظالم. وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا: فهو ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه؛ أي: مغفرة هذا الضرب ممكنة بدون رضى الخلق؛ فإن شاء عذب هذا الظالم لنفسه وإن شاء غفر له).
5- أنواع الظَلَمة:
أنواع الظلمة ثلاثة وهم:
1- الظالم الأعظم: وهو الذي لا يدخل تحت شريعة الله، وإياه عنى بقوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان الآية 13].
2- الظالم الوسط: وهو الذي لا يلتزم حكم السلطان: أي فيما وضعه السلطان من أنظمة لتيسير الحياة ولا يتعارض مع أحكام الشرع.
3- الظالم الصغير: وهو الذي يتعطل عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع الناس، ولا يعطيهم منفعة، ومن خرج عن تعاطي العدل بالطبع وبالخلق والتخلق والتصنع والرياء والرغبة والرهبة، فقد انسلخ عن الإنسانية، ومتى كان أهل كل صقع على ذلك فتهارشوا وتغالبوا وأكل قويهم ضعيفهم، ولم يبق فيهم أثر قبول لمن يمنعهم ويصدهم عن الفساد فقد جرت عادة الله سبحانه في أمثالهم هلاكهم واستئصالهم عن آخرهم.
5- معاقبة الظَالم:
الظلم مرتع وخيم، وظلمات يوم القيامة، وقد توعد الله تعالى الظالمين باللعنة، وبأشد أنواع العذاب قال تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف 41]، وقال تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف 44] وقال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} [ابراهيم آية 13]. هذا حالهم في الآخرة، والعياذ بالله من الظلم وأهله، أما في الدنيا فيجب على ولاة الأمر والقضاة الأخذ على يد الظلمة ومنعهم من الظلم، وإنزال أقصى العقوبة على من تمادى في الظلم، وتختلف عقوبة الظالم بحسب المظلمة.

.حرف العين:

.201- عِرض:

1- التعريف:
العِرْضُ في اللغة: الحسب، قال ابن منظور: عِرْضُ الرجلِ حَسَبُه، وقيل نفْسه، وقيل خَلِيقَتُه المحمودة، وقيل ما يُمْدح به ويُذَمُّ. وفي الحديث: إِن أَعْراضَكم عليكم حَرام كَحُرْمةِ يومكم هذا. قال ابن الأَثير: هو جمع العِرْض المذكور على اختلاف القول فيه؛ قال حسان:
فإِنَّ أَبي ووالِدَه وعِرْضِي ** لِعِرْض مُحَمَّدٍ مِنْكُم وِقَاءُ

قال ابن الأَثير: هذا خاصّ للنفس. يقال: أَكْرَمْت عنه عِرْضِي أَي صُنْتُ عنه نَفْسي، وفلان نَقِيُّ العِرْض أَي بَرِيءٌ من أَن يُشْتَم أَو يُعابَ، والجمع أَعْراضٌ. وعَرَضَ عِرْضَه يَعْرِضُه واعتَرَضَه إِذا وقع فيه وانتَقَصَه وشَتَمه أَو قاتَلَه أَو ساواه في الحسَب.
وفي الاصطلاح: العرض هو موضع المدح والذم في الإنسان، سواء كان متعلقا بالنفس أو الأهل أو النسب.
2- حماية الشريعة للأعراض:
كفلت الشريعة الإسلامية المحافظة على الأنفس والأعراض والأموال، وشرعت لذلك الحدود والقصاص، واتفق الفقهاء على مشروعية الدفاع عن النفس والعرض والمال في حالة الصيال، لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة 194] وقوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد» وليس على المصول عليه ضمان ما يتلف من النفس أو المال في حالة الدفاع، إذا لم تكن هناك وسيلة أخرى أخف من ذلك. واتفق الفقهاء على أن الدفاع عن العرض بمعنى البضع واجب، فيأثم الإنسان بتركه، قال الخطيب الشربيني: (لأنه لا سبيل إلى إباحته، وسواء بضع أهله أو غيره، ومثل البضع مقدماته).
وقال ابن قدامة: (وإذا وجد رجلا يزني بامرأته فقتله، فلا قصاص عليه، ولا دية؛ لما روي أن عمر رضي الله عنه بينما هو يتغدى يوما، إذ أقبل رجل يعدو، ومعه سيف مجرد ملطخ بالدم، فجاء حتى قعد مع عمر، فجعل يأكل، وأقبل جماعة من الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن هذا قتل صاحبنا مع امرأته؛ فقال عمر: ما يقول هؤلاء؟ قال: ضرب الآخر فخذي امرأته بالسيف، فإن كان بينهما أحد فقد قتله؛ فقال لهم عمر: ما يقول؟، قالوا: ضرب بسيفه، فقطع فخذي امرأته، فأصاب وسط الرجل، فقطعه باثنين؛ فقال عمر: إن عادوا فعد).
3- عقوبة الجاني على العرض؟
قال ابن القيم: (المسألة الثالثة: الجناية على العرض, فإن كان حراما في نفسه كالكذب عليه وقذفه وسب والديه فليس له أن يفعل به كما فعل به اتفاقا, وإن سبه في نفسه, أو سخر به, أو هزأ به, أو بال عليه, أو بصق عليه, أو دعا عليه فله أن يفعل به نظير ما فعل به متحريا للعدل, وكذلك إذا كسعه, أو صفعه فله أن يستوفي منه نظير ما فعل به سواء, وهذا أقرب إلى الكتاب والميزان وآثار الصحابة من التعزير المخالف للجناية جنسا ونوعا وقدرا وصفة, وقد دلت السنة الصحيحة الصريحة على ذلك، فلا عبرة بخلاف من خالفها، ففي صحيح البخاري: أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن زينب بنت جحش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمه في شأن عائشة, فأتته فأغلظت, وقالت: إن نساءك ينشدنك العدل في بنت ابن أبي قحافة, فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة, فسبتها, حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تتكلم، فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها, قالت: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة وقال: إنها بنت أبي بكر).
قلت: العرض كما مر في تعريفه منه ما يتعلق بالنفس أو الأهل أو النسب، والجناية عليه تكون بحسب نوعها فإن كانت موجبة للحد، فيقام على الجاني الحد، وإن كانت موجبة للأرش أو التعزير، ففيها الأرش أو التعزير، وفي كل الأحوال لابد من الرجوع إلى القاضي.

.202- عفو:

1- التعريف:
العَفْوَ في اللغة: له عدة معان، منها:الترك والتجاوز، جاء في لسان العرب:العَفْو هو التَّجاوُزُ عن الذنب وتَرْكُ العِقاب عليه، يقال: عَفا يَعْفُو عَفْواً، فهو عافٍ وعَفُوٌّ. وعَفا عن ذَنْبهِ عَفْواً: صَفَح، ومنه العفو عن الجاني، ومنه قبول الدية.
وفي الاصطلاح: هو إسقاط الجزاء المترتب على الجريمة كله أو بعضه.
2- حكم العفو:
يختلف حكم العفو باختلاف ما يتعلق به الحق، فإن كان الحق خالصا للعبد فإنه يستحب العفو عنه، وإن كان حقا لله سبحانه وتعالى كالحدود مثلا، فإنه لا يجوز العفو عنه بعد رفع الأمر إلى الحاكم، وإن كان الحق لله تعالى في غير الحدود، فإنه يقبل العفو في الجملة للأسباب التي يعتبرها الشارع مؤدية إلى ذلك تفضلا منه ورحمة ورفعا للحرج.
3- العفو عن القصاص في النفس:
ذهب الفقهاء إلى مشروعية العفو عن القصاص لقول الله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة 178]؛ ولأن القياس يقتضيه إذ أن القصاص حق، فجاز لمستحقه تركه كسائر الحقوق، ونص بعض الفقهاء على ندب العفو واستحبابه لقوله تعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة 45]، وسيأتي مزيد من بيان ذلك في مصطلح: قصاص.
4- عفو المجني عليه عما دون النفس:
يرى الفقهاء أن المجني عليه إذا قال للجاني: عفوت عن القطع أو الجراحة أو الشجة أو الضربة، أو قال: عفوت عن الجناية، فإن برئ من ذلك صح العفو؛ لأن العفو وقع عن ثابت وهو الجراحة أو موجبها وهو الأرش فيصح العفو ولا قصاص ولا دية، كما لو أذن في إتلاف ماله فلا ضمان بإتلافه.
5- العفو في الحدود:
اتفق الفقهاء على أن الحد الواجب لحق الله تعالى لا عفو فيه ولا شفاعة ولا إسقاط إذا وصل إلى الحاكم وثبت بالبينة؛ واتفقوا على أن حد الزنا والسرقة من حقوق الله تعالى واختلفوا في حد القذف؛ فالشافعية والحنابلة يرون صحة العفو في حد القذف; لأن الغالب فيه حق العبد فيسقط بالعفو عنه، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم كان إذا أصبح قال: تصدقت بعرضي»، والتصدق بالعرض لا يكون إلا بالعفو عما يجب له؛ ولأنه لا خلاف أنه لا يستوفى إلا بمطالبته فكان له العفو كالقصاص.
6- العفو في التعزير:
قال الماوردي رحمه الله: (والوجه الثاني: أن الحد وإن لم يجز العفو عنه ولا الشفاعة فيه فيجوز في التعزير العفو عنه وتسوغ الشفاعة فيه، فإن تفرد التعزير بحق السلطنة وحكم التقويم ولم يتعلق به حق لآدمي جاز لولي الأمر أن يراعي الأصلح في العفو أو التعزير وجاز أن يشفع فيه من سأل العفو عن الذنب؛ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء»؛ ولو تعلق بالتعزير حق لآدمي كالتعزير في الشتم والمواثبة ففيه حق المشتوم والمضروب، وحق السلطنة للتقويم والتهذيب، فلا يجوز لولي الأمر أن يسقط بعفوه حق المشتوم والمضروب، وعليه أن يستوفي له حقه من تعزير الشاتم والضارب، فإن عفا المضروب والمشتوم كان ولي الأمر بعد عفوهما على خياره في فعل الأصلح من التعزير تقويما والصفح عنه عفوا، فإن تعافوا عن الشتم والضرب قبل الترافع إليه سقط التعزير الآدمي. واختلف في سقوط حق السلطنة عنه والتقويم على الوجهين. أحدهما: وهو قول أبي عبد الله الزبيري أنه يسقط، وليس لولي الأمر أن يعزر فيه; لأن حد القذف أغلظ ويسقط حكمه بالعفو فكان حكم التعزير بالسلطنة أسقط.
والوجه الثاني: هو الأظهر أن لولي الأمر أن يعزر فيه مع العفو قبل الترافع إليه كما يجوز أن يعزر فيه مع العفو بعد الترافع إليه مخالفة للعفو عن حد القذف في الموضعين لأن التقويم من حقوق المصلحة العامة).